
حيث يكون “حزب الله” يتزعزع الأمن!
كتب جورج حايك:
مَن يقيّم الوضع في لبنان على نحوٍ سطحي، يرى أن الحياة وردية حيث الحركة السياحية ناشطة والطرقات مزدحمة بالسيارات والمطاعم والفنادق والمسابح ممتلئة، والمناطق تشهد مهرجانات فنية، وبالتالي هذه الأجواء قد تكون خادعة لغير المتعمّقين في الشأن السياسي اللبناني لأن الوضع الأمني ليس بخير تماماً، وربما تبدو بعض المناطق اللبنانية آمنة على نحو مقبول، إنما بعض المناطق الأخرى التي تشهد نشاطاً لـ”حزب الله” فيسودها التوتر وتتنقّل فيها الإشكالات، وهذا ليس بأمر مستغرب، ويمكن تأكيده بالوقائع والأدلة.
يطمح اللبنانيون أن يكون بلدهم، من شماله إلى جنوبه، ينعم بالأمان، لكن الواقع مختلف، فـ”الحزب” بنى دويلة تعوم على ترسانة ضخمة من السلاح، و”عسكر” مجتمعه، بحيث بات السلاح لعبة سهلة في بيئته، بدليل أنه عند كل مناسبة اجتماعية تطلق الأعيرة النارية عشوائياً وبكثافة لا توصف أحياناً، مما يؤدي إلى سقوط ضحايا.
قد يكون إطلاق النار في المناسبات الإجتماعية في الضاحية الجنوبية وبعلبك والبقاع والجنوب، أقل الأمور خطورة، لأن الحوادث المتنقلة التي حصلت منذ بداية الصيف، وكانت بمعظمها مرتبطة بـ”الحزب”، تُنذر بمشاريع مشبوهة لإخضاع اللبنانيين المعارضين له، وربما بعضها حصل بسبب فائض القوة، وشعور “الحزب” أن الدولة المهترئة غير قادرة على التصدي له أو منعه من ممارسات العنف التي يحترفها.
فمنذ بداية الصيف وقعت سلسلة أحداث، ربما غير مترابطة، إلا أنه يَشتمُّ منها ضلوع “الحزب” فيها، ولو بطريقة غير مباشرة وأحياناً مباشرة. وباكورة الاحتكاكات كانت بين بشري وبقاعصفرين التي أدت إلى سقوط شهيدين من آل طوق في بشري، وليس خافياً على أحد أن جماعة بقاعصفرين محسوبين على النائب فيصل كرامي وهو حليف “حزب الله”، ويُقال أن هناك تنسيق بين كرامي ومسؤول “حزب الله” في الشمال محمد صالح الذي يحرّضه على فعل كل ما بوسعه بغية إعطاء ملكية القرنة السوداء لبلدية بقاعصفرين، ولو اضطره ذلك إلى الهيمنة عليها بكل الأساليب غير القانونية ، وغير آبه بما قد يجرّ ذلك من ويلات وبلاء على أهالي الطرفين، سواء أصحاب الحقوق والأراضي والأملاك والمشاعات أباً عن جد وبصكوك وقوانين وأحكام قضائية، أو المعتدين عليهم المغرّر بهم من أبناء الجوار الذين باتوا ينتشون بفائض قوة “الحزب”. وما يطرح علامات استفهام هو تحويل جزء من القضية إلى القضاء العسكري الذي يهيمن عليه “الحزب”.
طبعاً جريمة القرنة السوداء سمّمت الأجواء في بداية صيف واعد، ولم تكن نهاية الأحداث، تلتها مناوشات في الجنوب بين “حزب الله” متحججاً بالأهالي من جهة واسرائيل من جهة أخرى، على خلفية نصب خيمتين داخل الخط الأزرق، مما أدى إلى مواجهات عسكرية طفيفة، تمّ احتوائها دولياً، ولو تطوّرت كانت أطاحت بالموسم السياحي وادخلت لبنان في المجهول.
منذ اسبوعين، اندلعت اشتباكات مخيّم عين الحلوة بين “فتح” وفصائل اسلامية تبيّن ان تمويلها وسلاحها من ايران وتحديداً “حزب الله”، وهذه الفصائل تهدف إلى السيطرة على المخيّم ليصبح ورقة في مهب المشروع الايراني. روّعت المعارك الضارية أهالي صيدا، وكشفت الوضع الأمني الهشّ في لبنان، ورغم عودة الهودء النسبي إلى المخيّم، إلا أن النار لا تزال تحت الرماد!
لم يمض أسبوع على نهاية معركة عين الحلوة، حتى انشغل الوسط الإعلامي اللبناني بعملية اغتيال عضو المجلس المركزي في “القوات اللبنانية” الياس الحصروني الذي كان منسقاً سابقاً في “القوات” لبلدة عين ابل. والجريمة المشبوهة ارتكبت في خراج البلدة على نحو منظَّم ومحترِف من خلال سيارتين طاردتا الحصروني، وقد ظهر في كاميريات الفيديو كيف أنزل من سيارته وتمت تصفيته ورميه في الحرش. علماً أن التحقيقات الأولية حاولت تضليل الرأي العام في القول أنه توفي قضاء وقدراً من خلال حادث سيارة، إلا أن التوغّل في التحقيق أظهر كذب الطبيب الشرعي، وحتماً توجّهت الأنظار إلى “حزب الله” الذي يعتبر الأكثر تنظيماً وقوة في المنطقة، والحصروني كان حزبياً ناشطاً ومؤثراً وتاريخه النضالي معروف في المنطقة، مما خلق حالة من الذعر لدى المسيحيين في الجنوب، وطُحرت علامات استفهام كبيرة حول الوضع الأمني هناك وسط تفلّت السلاح غير الشرعي.
أما الحادثة الأكثر خطورة التي كادت أن تنزلق بالأوضاع الأمنية على نحو لا تُحمد عقباه، فكانت انزلاق شاحنة سلاح تابعة لـ”الحزب” في منطقة الكحالة، مما أثار امتعاض سكّانها ونقمتهم، فنزلوا إلى الطرقات احتجاجاً، مما دفع العناصر المواكبة للشاحنة إلى استخدام سلاحهم، فقُتل الشهيد فادي بجاني وعنصر من “الحزب”. كادت الأمور تتطوّر أكثر من ذلك، فتدخل الجيش وفرّغ الشاحنة من السلاح ونقلها إلى إحدى ثكناته، لكن الأجواء إثر الحادثة بلغت ذروة التوتر، ومرة أخرى طُرحت علامات استفهام حول الوضع الأمني الذي بات مُحرجاً.
ويبدو ان الجامع المشترك بين كل هذه الأحداث هو “حزب الله” الذي لا يحطّ سلاحه في منطقة لبنانية إلا ويعكّر الأمن فيها، فيما تستمر وسائل اعلامه في حالة الإنكار بأن نقمة شعبية تزداد يوماً بعد يوم ضد سلاحه.
في ظل هذا الوضع، أصدرت السفارة السعودية في بيروت بياناً يدعو المواطنين السعوديين إلى الابتعاد عن المناطق التي تشهد نزاعات مسلّحة ومغادرة لبنان فوراً، تلته بيانات خمسة من دول مجلس التعاون الخليجيّ الأخرى، وإن تفاوتت محتوياتها ولهجاتها.
للوهلة الأولى استغرب بعض المسؤولين اللبنانيين والمواطنين هذه البيانات، ليتبيّن بعد حوادث عدة متتالية ان الوضع الأمني فعلاً ليس على ما يرام، وسلاح “الحزب” بات عبئاً على لبنان وخصوصاً أن الدولة ضعيفة وغير قادرة على مواجهة هذا السلاح ورَدعه، فكيف نطلب من الخليجيين أن يطمئنوا؟ لا شك في ان أجهزة المخابرات التابعة للدول الخليجية تتحسّس خطورة الوضع اللبناني بسبب سلاح “الحزب” وإمكانية أن يزرع الفوضى والاضطرابات هنا وهناك، كما حصل منذ بداية الصيف حتى اليوم. هذه الدول تهتم كثيراً لرعاياها وليست مستعدة أن تخسر أحداً في مجاهل غابة السلاح التي يملكها “الحزب”، من هنا باتت بياناتها بديهية ولا تدعو إلى الاستغراب.
ولم يعد سراً ان الأحداث الأمنية في لبنان لن تتوقف طالما “الحزب” ينشر السلاح ويُهيمن على قرار الدولة اللبنانية، ويقوّض مؤسساتها، ومن المتوقع أن تزداد هذه الأحداث، وربما التخوّف من شهر ايلول أصبح منطقياً في ظل الشغور الرئاسي وتزايد التوتر بين “الحزب” والمعارضة، رغم أن الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية تحاول أن تقوم بكامل واجباتها لئلا يفلت الوضع من عِقاله.
ويأتي كلام البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ليكون الأكثر تعبيراً في وصفه للوضع قائلاً:”لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة، وأكثر من جيش شرعي، وأكثر من سلطة، وأكثر من سيادة”، والعبرة لمن اعتبر!
مواضيع ذات صلة: من يجرؤ على الجريمة المنظّمة في الجنوب؟