العودة مشروطة حتمًا!

بقلم: د. ميشال الشمّاعي

العودة مشروطة حتمًا! – لا يمكن الحديث عن عودة سوريا بنظامها العلوي – البعثي إلى الحاضنة العربيّة من دون النّظر إلى الحيثيّات التي رافقت هذه العودة. فالقرار العربي رقم 8914 لم يصدر  من سطرين فقط تضمّنا إعلان تصحيح الخطأ العربي لكن ما يجب تسليط الضوء عليه هو الآتي:

“الترحيب بالبيانات العربية الصادرة عن اجتماع جدة بشأن سوريا يوم 14 أبريل/نيسان 2023، واجتماع عمان بشأن سوريا يوم الأول من مايو/أيار 2023، والحرص على إطلاق دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية يعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والأمنية والسياسية على سوريا وشعبها، ومعالجة انعكاسات هذه الأزمة على دول الجوار والمنطقة والعالم، خصوصا عبء اللجوء، وخطر الإرهاب وخطر تهريب المخدارت، والترحيب باستعداد الجمهورية العربية السورية التعاون مع الدول العربية لتطبيق مخرجات البيانات العربية ذات الصلة، وضرورة تنفيذ الالتزامات والتوافقات التي تم التوصل إليها في اجتماع عمان، وكذلك اعتماد الآليات اللازمة لتفعيل الدور العربي.”

هذه الفقرة تظهر بشكل  واضح الاجماع العربي لحلّ الأزمة السوريّة. ولقد تحدّدت أجندة هذا الحلّ بوضوح من خلال الشروط التي نصّ عليها لعودة سوريا. فعلى ما يبدو أنّ ثمار الاتّفاق السعودي  – الايراني بدأت بالتوازي بتفعيل عمل جامعة الدول  العربيّة من خلال حلّ الأزمة السوريّة. وذلك كالآتي:

-إطلاق دور عربي قيادي: يعني أنّ المملكة العربيّة هي التي ستقود هذه المرحلة.

-1معالجة تبعات الأزمة الانسانيّة: يعني ذلك أنّ عمليّة تمويل إنساني ستنطلق بهدف إنقاذ المجتمع السوري. وبالطبع مصدر هذا التمويل  عربي؛ قد يكون مشترَك لسحب فتيل مخطّط الغرب بالحفاظ على النازحين في أماكنهم منعًا لدخولهم أوروبا.

التبعات السياسيّة أي أنّ الحلّ السياسي تمّ وضعه على نار حامية. يبقى أنّ بشار الأسد سيحاول أن يحافظ لنفسه على دور في هذا الحلّ مستفيدًا من الدّعم الايراني. هذه محاولته. لكن فاتَه أنّ الجمهوريّة الاسلاميّة بهذا الاتّفاق ليست بموقع المفاوِض، ولا تملك ما تقدّمه للملكة. فأرجحيّة استبعاد الأسد هي التي ستغلب في  المرحلة القادمة.

-2معالجة انعكاسات هذه الأزمة على دول المنطقة والعالم لا سيّما عبء اللجوء: هذه النقطة تعني عمليًّا أنّ عمليّة عودة النّازحين ستتمّ وبشروط راعي هذه العودة وليس الأسد. لأنّ هذا الراعي الإقليمي هو الذي سيموّل، وعلى قاعدة المثل الفرنسي  Qui donne ordonne أي  من يعطي له وحده حقّ إصدار الأوامر.

-3معالجة خطر الارهاب وتجارة المخدّرات: وهذا ما بدأ الأردنّ بتنفيذه. ويبدو انّ الخطوة الثانية ستكون باتّجاه أمراء هذه التجارة اللبنانيّين.

-4التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة، وتجارة النموفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، بدءا بمواصلة الخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية لكل محتاجيها في سوريا، وبما في ذلك وفق الآليات المعتمدة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

أمّا الأهمّ في هذه الفقرة من قرار الجامعة هو ربطها نصّ القرار العربي مع القرار الأممي 2254 الذي أهمّ ما نصّ عليه : “إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية” ولعلّ هذا الحلّ قد يفضي إلى شكل سوريا الجديد الذي على ما يبدو سيكون وفق القاعدة الاتّحاديّة. أي من المرجّح أن تتحوّل دولة سوريا إلى الولايات السوريّة المتّحدة. وهذا ما قد يشكّل الورقة الوحيدة للأسد ليؤمّن شكلاً من أشكال البقاء لقاء ما سيدفعه.

مخطئ مَن ظنّ أنّ الأسد إن شارك شخصيًّا أو بأيّ صفة تمثيليّة أخرى هو ذاهب ليقبض ثمن عودته إلى الجامعة منتصرًا. بل الحقيقة هو إن ذهب سيذهب ليبحث ما يمكن أن يدفعه ليحافظ على شكل من أشكال بقائه سياسيًّا.

يبقى أنّ الغلو في الإفراط بالتأملات مرفوض حتمًا. لكن ما يفيد في هذه المرحلة هو عمليّة ترقّب حذرٍ لسير الأحداث الذي سيكون بوتيرة سريعة؛ وذلك لعدم السماح لأيّ طرف من الأطراف الإيرانيّة في  المنطقة بالتسلّل إلى طاولة الحلّ في  محاولةٍ لضرب موازين القوى الجديدة من الدّاخل.

مزيد من المقالات: في ذكرى صفير: رحل “الباشا” وبقيت بكركي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى